قصة قصيرة ‘الضوء الذي لا ينطفئ‘ - بقلم : الكاتبة اسماء الياس من البعنة
علمتني الحياة بأن لا يأس مع الحياة. استوقفتني حالة خاصة، وخاصة جدًا. تلك الفتاة ذات الأربعة عشرة ربيعًا، وجدائلها الممتدة على ظهرها، والتي تدعى سهيلة.
أسماء الياس - صورة شخصية
ذكرتني بنفسي عندما كنت بجيلها، كانت الحياة تتدفق من عروقي. الحياة كانت يومها بنظري أن أرتدي أجمل الملابس وأتعطر بأطيب العطور، وأذهب لمدرستي وجدائلي تتطايرن مع نسمات الهواء التي تحمل عطري وتفرده في الأجواء.
تلك الفتاة جميلة المحيا كانت مثالًا للصبايا المجاهدات اللواتي يعملن من أجل أن ينعم الكون بالسلام والهدوء والأمان. اقتربت منها وسألتها: "كيف الوصول لتلك الحالة التي تعيشينها يوميًا؟ فأنا شخصيًا أراقبك يوميًا منذ اللحظة التي رأيتك فيها. هل تغسلين روحك بماء السعادة، وتفرشين أسنانك بمعجون الابتسامة؟
ابتسمت سهيلة تلك الابتسامة المشرقة وأجابتني بصوت هادئ يحمل في طياته حكمة أكبر من عمرها: "الحياة يا خالتي رفقة جميلة، انظري نحو السماء كم هي بعيدة ولكن رغم ذلك نتمتع بصفائها الذي يبعث في نفوسنا الأمل. وتغريد العصافير أليست برأيك تلك الأصوات هي موسيقى توهبنا إياها الطبيعة دون أن ندفع ثمنها، أو نحجز مقعدًا بصالة مكيفة؟
أكيد من دون شك. أجبتها وعيني لا تشبع من مشاهدة ابتسامتها المشرقة.
هذه الفتاة سهيلة أدخلتني بدوامة غريبة جداً. كيف أحزن من أجل كأس قد كسر أو موعد لم يتم ولدي كل ما أريد؟
منذ ذلك اليوم تغيرت مئة درجة، أصبحت أكثر حبًا لنفسي، لأهلي ولأصدقائي، وأصبحت حريصة على كل شيء يخصني.
لم تنتهِ القصة هنا، لأنني في كل لحظة كنت أفكر: كيف الوصول لذلك الضوء الذي اختفى بضوء الأحداث المتراكمة؟ حينها، جاءت فكرة: لماذا لا نقيم جمعية تُعنى بالبؤساء؟
تكلمت مع سهيلة بهذا الشأن، وشعرت أن هذه الفكرة قد ألهمتنا بشكلٍ أعمق. بدأنا بوضع الأسس لتلك الجمعية، وتواصلنا مع أشخاص آخرين. عندما سمعوا عن الفكرة النبيلة، بادروا بالمساعدة، فمنهم من قدم المكان اللازم، ومنهم من تطوع بالأدوات.
الاسم الذي اخترناه لهذه المبادرة التي أصبحت بعد ذلك جمعية. هو "يد بيد نبني بيت.
وحتى نجعل الجمعية رسمية ومعترف بها، بدأنا بتحضير كل الوثائق اللازمة حتى تصبح جمعيتنا قانونية. كان معنا المحامي عادل المسؤول عن كل ما يخص الجمعية من الناحية القانونية. ومدقق الحسابات شاهر الذي اهتم كثيرًا بتسجيل كل مبلغ يدخل الجمعية أو يخرج منها. ومدير الجمعية السيد رائد. وجميعهم كانوا مثالاً للذين يعملون بجهد وإخلاص.
أقمنا بعد ذلك احتفالاً وجمعنا الكثير من التبرعات التي قاموا بها مشكورين أصحاب شركات وشخصيات اعتبارية بالمجتمع.
بعد أن بدأنا العمل بالجمعية التي كان كل فرد بها يعمل بإخلاص منقطع النظير بالبحث عن حالات تحتاج للمساعدة. منهم من كان بحاجة لبيت يأويه ومنهم من كان بحاجة ما يسد رمقه ورمق أطفاله.
لقد صادفنا الكثير من الحالات الفردية أو المجموعات الذين طحنتهم الحرب ودمرت حياتهم، وأصبحوا مثالًا للشفقة والمساعدة. لم نتردد لحظة في تقديم العون؛ قدمنا لهم المأوى وكل ما يلزم لإعادة جزء من كرامتهم وأمنهم المفقود.
أتذكر على وجه الخصوص قصة الطفلة ميساء، ابنة الثمانية أعوام، التي فقدت والديها وإخوتها وبقيت وحيدة. صادفتها في إحدى الأزقة نائمة، تفترش الأرض وتلتحف السماء.
تكلمت معها سألتها عن أحوالها، وابنة من هي؟ ومن هي عائلتها؟
كانت ترد على كل سؤال وعينها تبحث عن شيء يعطيها الأمان، بعد أن فقدته يوم قتلت عائلتها في موجة العنف التي تسود البلاد، وتركوها وحيدة، لا عم لها ولا خال.
عندما عرفت قصتها منها سألتها:
هل بالإمكان الوثوق في وتأتين معي حتى أوفر لك المسكن والعائلة التي أنتِ بحاجةٍ له؟
أطرقت قليلاً برأسها وفكرت، ومن بين دموعها التي انهمرت من عينيها. أجابت نعم أريد الذهاب معك، فصوتك يشبه صوت أمي، ووجهك قريبًا من وجه أمي. لقد أحببتك ووثقت بك.
أخذتها معي وقلبي وعدها بحياة أفضل.
تبنتها الجمعية على الفور، ولحسن الحظ، أخذتها إحدى الأسر الطيبة التي كانت تفتقد وجود الأبناء في بيتها.
لم تتوقف جهودنا عند حدود مدينتنا. فبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وصل العمل الجميل ذا التأثير إلى الكثير من الدول. بعد أن نشرنا قصصنا وجهودنا، سمع عنا الكثيرون، وبدأت المساعدات تتدفق علينا من كل حدب وصوب.
لقد أصبحت جمعيتنا "يد بيد نبني بيت" ملهمة لكل الأشخاص والأفراد. وبفضل ما رأوه من إخلاصنا وعملنا، بدأوا يتعاملون مع البؤساء في مجتمعاتهم بكل إنسانية وقلوب رحيمة. لم نعد نقدم المساعدة المادية فحسب، بل أشعلنا شرارة التعاطف والرحمة في قلوب كثيرة، ليصبح "الضوء الذي لا ينطفئ" حقيقة تعيشها مجتمعات بأكملها
من هنا وهناك
-
قصة بعنوان ‘أنت نبضي أنت وطني‘ - بقلم : الكاتبة اسماء الياس من البعنة
-
‘ميجيليتو‘.. حيوان لاما يرتدي زي الشرطة ويتجول في مكاتبهم في تشيلي
-
‘ صَرْحُ البَلاغةِ ‘ - بقلم : الدكتور حاتم جوعية من المغار
-
قصة بعنوان ‘عصر السلام العظيم‘ - بقلم : الكاتبة اسماء الياس من البعنة
-
شاهدوا ‘نيلو‘ .. الكلب الذي انضم لفريق الإنقاذ الشاطئي
-
موشحات ‘إِزرعِ الأرضَ زهوراً ‘ بقلم : أسماء طنوس – المكر
-
‘زنابق الأيام زنابق تبوح وتحكي‘ - بقلم : د. وفيق علي هيبي
-
‘ النُّور قريبٌ ‘ - بقلم : زهير دعيم
-
‘الثّعلب العائد الى نفسه‘ قصة للأطفال - بقلم : زهير دعيم
-
‘ السّلام والشَّر لا يلتقيان ‘- بقلم : اسماء طنوس من المكر
أرسل خبرا